كتاب كن بخير | الكتاب الذي يربتُ عليك (عائشة العمران)

كن بخير من الداخل| اقتربْ من الله 

(كلُّنا يتكلَّم عن الحياة بثقةٍ، كأنَّما يعرفها حقَّ المعرفة، لولا وجود الله سبحانه وتعالى لكانت لعبةً خاسرةً لا معنى لها، من حسن حظِّنا انه موجود، وأنه أعلمُ منَّا بما يفعل) .نجيب محفوظ

لابدَّ ان تجد في داخلك اطمئناناً على حالك الَّتي وكَّلت الله بها، يقول الشاعر لسان الدين بن الخطيب :

وإنِّي لَأدعـو الله حتى كأنَّني           أرى بجميلِ الظَّنِّ ما اللهُ صانعُ 

 

كن بخير| الكتاب الذي يربتُ عليك

أمَّا إن كنتَ ممَّن يشفقون على أنفسهم،فأنت لست مستوعباً لحقيقة اطِّلاع الله على ما بك، إن كنت تكثر من التَّنهُّد والتَّبرُّم فإيمانك بحاجة لإعادة نظر، لا يمكن أن تشتكي لإنسانٍ، وتنسى أن ترفع يديك للسَّماء إلَّا إذا كنتَ بعيداً عن الله، فاسجُدْ واقْتربْ .

اقتربْ من الله بسدادِ النَّقص الَّذي يطرأُ على علاقتك به، سيبهرك كلَّما أقبلت عليه بإقباله الأكبر عليك، لا تحتاج حقَّاً لمن يدلُّك عليه، يكفي أن تنظر في داخلك، فأنت تعرفُ الطريق إلى الله بفطرتك، امضِ فيها دون أن تتردَّد أو تلتفت للوراء؛ إنَّك تعرفُ جيِّداً مواطن  النَّقص والخلل، تعرف أين التَّقصير في الطَّاعات المختلفة، لن تجدَ في هذا الكتاب شرحَ الكيفيَّة، فهذه التَّفاصيل مالم تكن عالماً بها فستبحث عنها وتتعلمها من مصادرها الموثوقة متى ما أردتها حقَّاً .

إنَّ الله يراك الآنَ، أعلمُ بحالك منك، هو الذي يعلم طريق الخروج مما أنت عالقٌ به، ابحثْ في كلِّ مكانٍ، واطرقْ جميع الأبواب جاعلاً من التَّوكُّل على الله وَقوداً يحرِّكك طوال عمليَّة الإنقاذ، فالأخذ بالأسباب لا معنى له مالم تكن روحك متعلِّقة بمسبِّب الأسباب سبحانه.

إنَّنا بحاجة ماسَّة لله، قد يضيعُ الإنسان عمره باحثاً عن أسبابٍ متناسياً مسبِّبَ الأسباب ربَّه وربَّ كلِّ شيء، لعلَّ التَّعلُّق بالأسباب أحدُ أكثر أمراض العصر الحديث إنتشاراً، يسعى أحدهم لتحقيق حلم الوظيفة فيطرق كلَّ الأبواب، وينسى أن يضع المنبِّه على الثَّلث الأخير من الليل، ليطرقَ الباب الأعظم، يبحثُ آخرُ عن زوجةٍ مناسبة في كل مكان برغم أنَّ ما بينه وبينها هو في الحقيقة سجدةٌ واحدة يتضرَّع فيها بــ "يا رب" يلجأ آخرُ لأشهر الأطبَّاء برغم أنَّ علاجه قد يكون في "ريالات" يدسُّها في جيبِ فقير يراه عند باب المستشفى ذاته.

يقول الشيخ عائض القرني في قصيدته المغناة 

(مالنا غيرك ملاذ ولا دونك حجاب يرتجيك الخلق عدوانها أحبابها)

وبرغم أن علينا استشعار "مالنا غيرك" في الرخاء والشدة، إلَّا أن اليقين بما يهجم على الناس في أوقات الأزمات لينتشلهم من براثن اليأس .

•  "ما لنا غيرك" يصرخ بها البحارة إذا هاجت الريح وتصاعد الموج فكادت السفينة أن تغرق.
• "ما لنا غيرك" يلهج بها لسانُ سائق تاهََ في قلب الصَّحراء، ونفِذ الوقودُ والماء، وانقطعت الاتِّصالات إلَّا اتِّصال السماء.
•  "ما لنا غيرك" يبتهل بها مريضٌ وقف الطبُّ عاجزاً أمام وضعه وقَّرر الأطباء أنه يحتضر.
•  "ما لنا غيرك" يرفع بها مظلومٌ يديه إلى السَّماء فيَنزل الانتقام قبل أن يُنزِلَهما.

الخطوة الأولى لإصلاح الوضع أيَّاً كان هي التَّسليم بالاحتياج المطلق لله، ونسبةُ الفضل إليه، فهو صاحب الفضل من قبل ومن بعد، "ما لنا غيرك" يتخلَّص بها الإنسان من عبوديَّة الأسباب، فيكفيه الله من كل شيء، ((أليس الله بكافٍ عبدَه)) ؟ بــلى، أنْ تعلم أنَّ الله موجودٌ شيء؛ وأن تستشعر ذلك بكلِّ جوارحك شيء آخر، يجب أن تستحضر بكل وضوح حقيقة علم الله المطلق وقدرته على تغيير كلِّ شيء_اقتربْ من الله_.

أكثر شخص يعرفك

"لايمكن لأحد أن يعطيك نصيحة حكيمة أكثر من نفسك"شيشرون"، ما ستقرؤة هنا لن يدلك على طريق تجهلها، إنه سيلفت نظرك فحسب لما تعرفة مسبقاً، سيذكرك بقيمة أهم شخص في حياتك، أكثر شخص يفهمك، كلنا نحتاج ذلك الشخص، وهو موجود في حياة كل منا بلا استثناء، أكثر شخص يعرفك هو من سيحدد ملامح الطريق التي تخلصك من أي أزمة تمر بها بعد الاستعانة بالله، هو الشخص الوحيد الذي يعرف تماماً ما الذي يسعدك أنت بالتحديد، ويختلف عما يسعد غيرك، يعرف ما يزعجك أنت بالتحديد، وقد لا يزعج غيرك، أكثر شخص يعرفك هو الأهم على الإطلاق، هو أنت.

لا تهرب من مواجهة الواقع

تظل أمور الهارب من المواجهة معلقة ومؤجلة حتى إشعار آخر، وبذلك فقد تزداد سوءاً مع مرور الوقت بسبب تجاهلها، ما يؤثر سلباً على ثقته بنفسه، وقد يصل به الأمر إلى الإصابة باضطرابات نفسية وجسدية، حتى أصحاب الإعاقات العقلية يجب أن يشرح لهم وضعهم بشكل مبسط، كي يتفهموا حقيقة اختلافهم عن الآخرين، ولا يعيشوا في حيرة.

كن بخير في مواجهة الحزن

لا يمكن التعايش مع الحزن دون التأثر به، فهو يحول صاحبه إلى شخص آخر، لذلك لا بد أن تقف في وجهه، وتمنعه من التغلغل في أعماقك، احم نفسك من الحزن حسب وضعك وأسباب حزنك، ابن السدود المنيعة قبل أن تثور فيضانات الحزن، راقب نفسك لتكتشف الشقوق التي يتسلل خلالها الحزن داخلك، وقم بعلاجها واحدة تلو الأخرى، تلك الفتحات لا بد أن تغلق قبل أن تتسبب في انهيار السد وغرقك معه، قد تحفر في تلك الثغرات أغان حزينة أو أفلام كئيبة أو أشخاص يسمم وجودهم حياتك، فتحتاج أن تبتعد عنهم أو تضغط على زر كاتم الصوت كلما بدؤوا في مضايقتك.

استجب لفطرة المقاومة

المقاومة شجاعة أياً كان نوعها، يقال إن صوتها ليس عالياً، وإنها قد تأتي بصورة مسالمة جداً، قد لا يكون للشجاعة صخب الزئير والزمجرة وإنما هي أحياناً بوداعة الصوت المحب الذي يمسح على رأسك مع نهاية اليوم، ويهمس في أذنيك قائلاً:"لابأس غداً سنحاول مرة أخرى"

• هي الصوت الهامس بـ: غداً سألجأ لمختص في الإقلاع عن التدخين. 
• هي الصوت بـ: غداً سأستمر في الذهاب لمعهد تعليم اللغة الإنجليزية حتى إن لم أستوعب الكثير، أنا مصر على فك رموزها مهما كلفني الأمر.
• هي الصوت الهامس بـ: غداً سأحاول مجدداً سداد ديوني، وسأسأل أصحاب الخبرة عن طريقة لذلك. 
• هي الصوت الهامس بـ: غداً سأستكمل البحث عن وظيفة أخرى ترضي طموحي، وتعالجني من الإحباط. 

إن مر بك في يومك فشل ما أو فلنسمه تحدياً، فستحدثك نفسك قبل النوم إما بالاستسلام والتنازل عن الهدف أو بالشجاعة المتمثلة في عزمك على مواجهة ذلك التحدي مجدداً في اليوم التالي، الاستسلام هو الخيار السهل الذي قد يسحب صاحبه إلى بؤرة الإحباط فيما بعد.

أنت أقوى من الظروف

برغم أن الكثير منا يشعر أن ظروف الحياة أقوى منه، إلا أن الكثيرين في المقابل أثبتوا أنهم أقوى من الظروف، هم موجودون حولنا بكثرة، لكننا قد نغفل عن تقدير إنجازاتهم الشخصية في ازدحام الحياة، أقصد بالتحديد الأبطال الذين نراهم بيننا بشكل يومي، وليس النماذج التي قد يعتبرها البعض خارقة للعادة أو بعيدة المنال، برغم أنها قد لا تكون كذلك أبداً. 

هذه ليست نهاية العالم

الأزمات لم تنه حياتك، ما زلت حياً تتنفس، جسدك لم يستسلم، إنه يريد الحياة، يطلب النوم والطعامن يجب أن تعيش هذا العمر وأنت قوي، لو أنها النهاية لداهمك الموت، لكنك حي، والعالم من حولك مستمر، فاستمر.

تعديل المقال