يومك يومك
إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، اليوم فحسب ستعيش، فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره، ولا الغد الذي لم يأت إلى الآن، اليوم الذي أظلتك شمسه، وأدركك نهاره هو يومك فحسب، عمرك يوم واحد، فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه، حينها لا تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه، وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب، لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدك وجدك.
فلهذا اليوم لابد أن تقدم صلاة خاشعة، وتلاوة بتدبر، واطلاعاً بتأمل، وذكراً بحضور، واتزاناً في الأمور، وحسناً في خلق، ورضاً بالمقسوم، واهتماماً بالمظهر، واعتناءً بالجسم، ونفعاً للآخرين، لليوم هذا الذي أنت فيه فتقُسم ساعاته وتجعل من دقائقه سنوات، ومن ثوانيه شهوراً، تزرع فيه الخير، تُسدي فيه الجميل، تستغفر فيه من الذنب، تذكر فيه الرب، تتهيأ للرحيل، تعيش هذا اليوم فرحاً وسروراً، وأمناً وسكينة.
لا تحزن فالحياة أقصر ممَّا تتصوَّر
ذكر دايل كارنيجي قصَة رجل أصابته قرحة في أمعائه، بلغ من خطورتها أنَّ الأطباء حدَّدوا له أوان وفاته، وأوعزوا إليه أن يجهِّز كفنه، قال: وفجاة اتخذ "هاني" - اسم المريض - قراراً مدهشاً، إنه فكر في نفسه: إذا لم يبق لي في هذه الحياة سوى أمدٍ قصير، فلماذا لا أستمتع بهذا الأمد على كلِ وجه؟ لَطالما تمنيتُ أن أطوف حول العالم قبل أن يدركني الموت، ها هو ذا الوقت الذي أحقِّق فيه أمنيتي. وابتاعَ تذكرة السفر، فارتاع أطباؤه، وقالوا له: إننا نحذِّرك، إنك إن أقدمتَ على هذه الرحلة فستدفن في قاع البحر!! لكنه أجاب: كلا، لن يحدث شيء من هذا، لقد وعدتُ أقاربي ألا يدفَنَ جثماني إلا في مقابر الأسرة. وركب "هاني" السفينة، وهو يتمثَّل بقول الخيام:
تعالَ نروي قصـــةً للبشرْ ونقطــعُ العمـــرَ بحُلْــوِ السَّمَرْ
فما أطالَ النومُ عمراً ومَا قصَّرَ في الأعمارِ طولُ السّهرْ
وهذه أبيات يقولها وثنيٌّ غير مسلم، وبدأ الرجل رحلة مُشبَعَة بالمرح والسرور، وأرسل خطاباً لزوجته يقول فيه: لقد شربتُ وأكلتُ ما لذَّ وطاب على ظهر السفينة، وأنشدتُ القصائدَ، وأكلتُ ألوان الطعام كلَّها حتى الدَّسمِ المحظور منها، وتمتعتُ في هذه الفترة بما لم أتمتع به في ماضي حياتي. ثم ماذا؟!، ثم يزعم دايل كارنيجي أنَّ الرجل صحَّ من علته، وأن الأسلوب الذي سار عليه أسلوب ناجح في قهر الأمراض ومغالبة الآلام!!، إنني لا أوافق على أبيات الخيَّام، لأن فيها إنحرافاً عن النهج الرَّباني، ولكن المقصود من القصة: أن السرور والفرح والإرتياح أعظم بكثير من العقاقير الطبيَّة.
الرضا بما حصل يُذهب الحزن
وفي الحديث: "ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا"، إن عليك واجباً مقدَّساً، وهو الانقياد والتسليم إذا داهمك المقدور، لتكون النتيجة في صالحك، والعاقبة لك؛ لأنك بهذا تنجو من كارثة الإحباط العاجل والإفلاس الآجل.
قال الشاعر:
ولما رأيتُ الشَّيْبَ لاحَ بعارضي ومَفْرِقِ رأسي قلتُ للشَّيب مرحبا
ولو خفتُ أنـــي إنْ كففتُ تحيتي تنكَّــب عنــي رُمْــتُ أَنْ يتنــكَّــبَا
ولكـنْ إذا ما حلَّ كُرْهٌ فســامحت به النفــسُ يوماً كان للكُرْهِ أَذهبا
لا مفرّ إلا أن تؤمن بالقدر، فإنه سوف ينفُذ، ولو انسلختَ من جلدك، وخرجت من ثيابك!!، نُقِلَ عن إيمرسون في كتابه "القدرة على الإِنجاز" حيث تساءل: "من أين أتتنا الفكرة القائلة: إن الحياة الرغدة المستقرة الهادئة الخالية من الصعاب والعقبات تخلق سعداء الرجال أو عظماءهم؟ إن الأمر على العكس، فالذين اعتادوا الرثاء لأنفسهم سيواصلون الرثاء لأنفسهم ولو ناموا على الحرير، وتقلَّبوا في الدمقس. والتاريخ يشهد بأن العظمة والسعادة أسلمتا قيادهما لرجال من مختلفي البيئات، بيئات فيها الطيب وفيها الخبيث، وبيئات فيها بين طيب وخبيث، في هذه البيئات نبت رجال حملوا المسؤوليات على أكتافهم، ولم يطرحوها وراء ظهورهم".
إن الذين رفعوا علَم الهداية الربانيَّة في الأيام الأولى للدعوة المحمدية، هم الموالي والفقراء والبْؤساء، وإن جُلَّ الذين صادموا الزحف الإيماني المقدَّس هم أولئك المرموقون والوجهاء والمترفون:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيناتٍ قال الَذِينَ آمنُواْ أَيُ الفَرِيقَيْنِ خَيرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً}.{وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِين}.{أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بأَعْلَمَ بالشَّاكِرِين}.{وقالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ للَّذِين آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْه}، وإني لأذكر بيتاً لعنترة، وهو يخبرنا أن قيمته في سجاياه ومآثره ونبله لا في أصله وعنصره، يقول:إن كنتُ عبداً سيدٌ كَرَماً أو أسودَ اللونِ إني أبيضُ الخلقِ
وقفــــة
- لا تحزن: لأنك جربت الحزن بالأمس فما نفعك شيئاً، رسب ابنك فحزنت، فهل نجح؟ مات والدك فحزنت فهل عاد حياً؟! خسرت تجارتك فحزنت، فهل عادت الخسائر أرباحاً؟!
- لا تحزن: لأنك حزنت من المصيبة فصارت مصائب، وحزنت من الفقر فازددت نكداً، وحزنت من كلام أعدائك فأعنتهم عليك، وحزنت من توقع مكروه فما وقع.
- لا تحزن: فإنه لن ينفعك مع الحزن دار واسعة، ولا زوجة حسناء، ولا مال وفير، ولا منصب سام، ولا أولاد نُجباء.
- لا تحزن: لأن الحزن يُريك الماء الزلال علقماً، والوردة حنظلة، والحديقة صحراء قاحلة، والحياة سجناً لا يطاق.
- لا تحزن: وأنت عندك عينان وأذنان وشفتان، ويدان ورجلان ولسان وجنان وأمن وأمان، وعافية في الأبدان.
- لا تحزن: ولك دين تعتقده، وبيت تسكنه، وخبز تأكله، وماء تشربة، وثوب تلبسه، وزوجة تأوي إليها، فلماذا تحزن؟!
لا تحزن من الكوارث فأنت لا تعرف سر المسألة وعواقب الأمور
طالعتُ كتاب "الفرج بعد الشدة" للتنوخي، وكررت قراءته فخرجتُ منه بثلاث فوائد:
- أن الفرج بعد الكرب سنة ماضية وقضية مُسلمة، كالصبح بعد الليل، لا شك فيه ولا ريب.
- أن المكاره مع الغالب أجمل عائدة، وأرفع فائدة للعبد في دينه ودنياه من المحابُ.
- أن جالب النفع ودافع الضر حقيقة إنما هو الله جل في علاه، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطالك لم يكن ليصيبك.