سيكولوجية المال | مورجان هاوسل
يدور كل شيء حول المستقبل، فالحياة سلسلة مستمرة من المفاجآت، وعدم اليقين هو السمة الأبرز فيها، لكننا نميل إلى تجاهل ما يصعب علينا فهمه، إذ نريد مايدعم وجهات نظرنا حتى لو كانت ناقصة، فنحن لا نعلم سوى اليسير، ومع ذلك نبني كل شيء على هذا اليسير، الغرور هو العدو المالي الأبرز، وهو يحكم تصرفاتنا، فنحن بحاجة ماسة إلى إثارة إعجاب الآخرين بأملاكنا ومقتنياتنا، وننغمس في لعبة المقارنة التي لاتنتهي، إنها معركة خاسرة حتماً، فالمقارنة وقود التعاسة العالمي.
سيكولوجية المال | كورجان هاوسل |
أحب ملاحظة فولتير عندما قال:" لا يكرر التاريخ نفسه على الإطلاق، إنما الإنسان هو من يفعل ذلك دائماً" ينطبق القول السابق على كيفية تصرفنا بالمال، لقد كتبت تقريراً في عام 2018 حيث أ وردت فيه العيوب والأسباب العشرين الأهم للتحيز، والسلوك السيء المؤثر على الناس عند تعاملهم مع المال.
لا أحد مجنون!
دعني أخبرك بمسألة مهمة لتشعر بتحسن حيال ما تفعلة بأموالك، ولتقلل الأحكام التي تُطلقها بشأن ما يفعل الآخرون بأموالهم، يتصرف بعض الأشخاص تصرفاً مجنوناً مع المال، لكن لا أحد مجنون، إليك الأمر برمته: تنوع أجيال الأشخاص، وينشؤون على أيدي آباء مختلفين ممن حصلوا على دخول مختلفة ويتمتعون بفيم مختلفة، ويعيشون في أجزاء مختلفة من العالم، ولدوا في اقتصاديات مختلفة، ويتعاملون مع أسواق عمل مختلفة، حيث تختلف الحوافز ودرجات الحظ، ويتعلم كل منهم الدروس تعلماً يختلف عن الآخر.
يتمتع كل فرد بتجربته الفريدة في العالم، ومايجريه المرء يقنعه أكثر مما يتعلمه من شخص آخر، وعلى هذا فإن لكل امرئ منظوره الخاص بكيفية عمل المال، وما يبدو لك جنوناً قد يكون منطقياً لي، يفكر الشخص الذي نشأ في الفاقة في المجازفة والمكافأة بطرائق لا يمكن لابن مصرفي ثري أن يفهمها إن حاول، ومر الشخص الذي نشأ في ظل التضخم المرتفع بظروف لم يعرفها شخص نشأ في ظل أسعار مستقرة، وشهد سمسار الأسهم الذي فقد كل شيء خلال الكساد الكبير حالاً لا يمكن لعامل التكنولوجيا الذي تنعم بمجد أواخر التسعينيات أن يتخيلها.
وعلى هذا، فإن قائمة التجارب لا حصر لها، وقد تعرف أموراً عن المال لا أعرفها أنا، والعكس بالعكس، تعيش حياتك بمعتقدات وأهداف وتوقعات مختلفة عن معتقداتي وأهدافي وتوقعاتي، وهذا ليس لأن أحدنا أذكى من الآخر، أو يتمتع بمعلومات تفوق معلومات الآخر، إنما لأننا نعيش حياة مختلفة نخوض فيها تجارب مختلفة ومقنعة إقناعاً متساوياً لنا.
لا يكتفون أبداً
سيحصل قلة قليلة منا على 100 مليون دولار كما فعل جوبتا أو مادوف، لكن نسبة لا بأس بها من قراء هذا الكتاب سيحصلون على مرتب، أو سيكون لديهم مبلغ من المال كاف لتغطية حاجاتهم والكثير من متطلباتهم، تذكر بعض الأمور إن كنت أحدهم:
- أصعب مهارة مالية هي إيقاف العارضة عن الحركة.
- المقارنة الاجتماعية هي المشكلة هنا.
- الاكتفاء لايعني العيش في تقتير.
- ثمة الكثير من الأمور التي لا تستحق المخاطرة بغض النظر عن المكاسب المحتملة.
القوة المركبة الخارقة
تُعلمنا الدروس في مجال ما أمراً مهما عن مجالات أخرى لا صلة لها بهذا المجال، لنأخذ على سبيل المثال تاريخ العصور الجليدية، والذي يمتد نحو مليار عام، وما يعلمنا هذا التاريخ عن تنمية أموالك!
إن معرفتنا العلمية بالأرض ضحلة أكثر مما تعتقد، ولفهم كيفية عمل العالم لا بد من الحفر تحت سطحه، هذا أمر لم يكن ممكناً حتى وقت قريب جداً، درس إسحاق نيوتن حركة النجوم قبل مئات السنين من فهمنا بعض أساسيات كوكبنا، لم يتفق العلماء على أن الأرض كانت مغطاة بالجليد مرات عدة حتى القرن التاسع عشر، الأدلة منتشرة في جميع أنحاء العالم، إنها آثار تؤكد وجود عالم متجمد قبلاً، مثل صخور ضخمة متناثرة في مواقع عشوائية، وأسرة صخرية مكشوطة إلى طبقات رقيقة.
ليس هذا فحسب، أشارت الأدلة الواضحة إلى أنه لم يكن هناك عصر جليدي واحد، إنما يمكن تأكيد خمسة منا، لا شك أن كمية الطاقة اللازمة لتجميد الكوكب، وإذابة الجليد من جديد، وتجميده مجدداً كمية مذهلة، ماالذي يمكن أن يسبب دورات الجليد هذه على الأرض؟ يجب أن تكون أكبر قوة عرفها كوكبنا، وفعلا كانت كذلك، لكن ليس بالطريقة التي قد يتوقعها أي شخص.
الثراء والبقاء ثرياً
ثمة مليون طريقة للثراء، والكثير من الكتب التي تتناول كيفية الوصول إليه، لكن هناك طريقة واحدة فقط للبقاء ثرياً، إنها مزيج من حسن التدبير والبارانويا(جنون الارتياب)، الحصول على المال شيء، والاحتفاظ به شيء آخر، يستدعى هذا حسن التدبير والقبول بأن للحظ دوراً في جزء من إنجازاتك على الأقل، لذلك لا يمكنك الاعتماد على النجاح السابق لتكراره إلى أجل غير مسمى.
الحرية | التحكم بوقتك هو أكبر عائد يقدمه لك المال
إن أسمى شكل من أشكال الثروة، هو القدرة على الاستيقاظ كل صباح والقول(أستطيع فعل ما يحلو لي اليوم)، يريد الناس أن يصبحوا أكثر ثراء ليحصلوا على قدر أكبر من السعادة، السعادة موضوع معقد لأن كل شخص مختلف عن الآخر، لكن إذا كان هناك قاسم مشترك في موضوع السعادة وقود عالمي للفرح، فهو رغبة الناس في التحكم في حيواتهم.
القدرة على فعل ما تشاء عندما تريد، ومع من تشاء، وقتما تشاء، هو أمر لا يقدر بثمن، إنها أكبر مكسب يقدمه المال لك، إن امتلاك المرء إحساساً قوياً بالتحكم في حياته مؤشر يمكن الاعتماد عليه من ناحية المشاعر الإيجابية للرفاه، وهو مؤشر أقوى من أي ظروف الحياة الموضوعية، والتي كنا قد أخذناها في الحسبان.
إنه مؤشر أقوى من راتبك، ومن حجم منزلك، ومن مقام وظيفتك، إن التحكم في فعل ما تريد عندما تريد ومع الأشخاص الذين تريدهم هو المتغير الأوضح في نمط الحياة، والذي يجعل الناس سعداء، إن أعظم قيمة جوهرية للمال من دون مبالغة هي قدرته على منحك القدرة على التحكم بوقتك، يمكن الحصول على مستوى من الحرية والاستقلالية شيئاً فشيئاً من خلال الأصول غير المستنفذة، والتي تمنحك تحكماً أكبر فيما يمكنك فعله وتوقيت فعله.
الثروة هي ما لاتراه
إن إنفاق المال بغرض التباهي بما لديك من المال أمام الناس هو أسرع طريقة للحصول على أموال أقل، ينطوي موضوع المال على العديد من المفارقات، إليك مفارقة مهمة: الثروة هي ما لاتراه، عملتُ في خدمة ركن السيارات في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في لوس أنجلوس، وكان للمظهر المادي في ذلك الوقت أسبقية على كل شيء آخر ما عدا الأوكسجين.
إذا رأيت سيارة فيراري تتجول في الأنحاء، فقد تفترض حدسياً أن صاحب السيارة غني حتى لو كنت لا توليه اهتماماً كبيراً، وحيث إنني تعرفت على بعض هؤلاء الأشخاص، فقد أدركت أن الأمر ليس كذلك دائماً، كانت نجاحات بعضهم متواضعة، لكنهم أنفقوا نسبة ضخمة من رواتبهم على سيارة.
أتذكر زميلاً سندعوه روجر، كان في عمري تقريباً، ولم يكن لدي فكرة عما فعله روجر، لكنه قاد سيارة بورش، وكان هذا كفيلاً بافتراض الناس غناه، وفي أحد الأيام وصل روجر بسيارة هوندا قديمة، وتكرر الأمر في الأسبوع التالي والأسبوع الذي يلية، سألته(ما الذي حدث لسيارتك البورش؟) فأجاب أنها استعيدت بعد التخلف عن سداد قرض السيارة، لم تكن هناك غصة في حديثة، إنما أخبرني بذلك وكأنه يخبرني بالخطوة التالية في اللعبة، وعلى هذا فإن كل افتراض قد يكون لديك عنه ما هو إلا افتراض خاطئ.