كتاب لا تكن لطيفاً أكثر من اللازم| كيف تتجنب تسعة أخطاء ضارة بك؟ (ديوك روبنسون)

محاولة أن تكون كاملاً

بينما تكتب لصديق حول الامور المعتادة، قد تقع في خطأ إملائي في كلمة فقط في الصفحة الثانية من الخطاب، فتبدأ الكتابة من جديد، وفي منتصف المحاولة الثانية تلاحظ شطباً في الصفحة الاولى، فتبدأ الكتابة من جديد مرة أخرى، وبينما تستعد لوضع توقيعك على محاولتك الثالثة تدرك أنك أخطأت نحوياً، وأنهيت جملة بحرف جر، ولذلك تعيد كتابة الصفحتين، لقد أضاع هذا الخطاب غير الهام لصديق وقتاً ثميناً، ولذلك أنت غاضب من نفسك.


لا تكن لطيفاً أكثر من اللازم
كتاب لا تكن لطيفاً أكثر من اللازم


جزء كبير من عملي المهني كان عاماً وله أبعاد جماهيرية بما فيها إلقاء الخطب أمام الجمهور، ومن البداية شعرت بأنني معرض للنقد، ليس فقط لأنني لست ماهر أو مُسلي بما فية الكفاية، ولكن أيضاً لوقوعي في أخطاء طفيفة، ولقد قال أحدهم إن النقد لا يقلقه، إلا إذا جاء من شخص غريب عنه، أو أحد معارفه، أو زميله في العمل، أو صديقه، أو فرد من عائلته، وهذا بالضبط ماشعرت به.

شيء جميل جداً من أجلك

في إحدى الأمسيات في أواخر الخمسينات حيث كنت لا أزال مبتدئاً في مهنتي، كنت أقوم بالتدريس لفصل به عدد كبير من البالغين واستخدمت كلمة (التحير) للإشارة إلى حالة الحيرة، وفيما بعد أخبرني أحد المعلمين أمام زميل آخر، ( وهو يتكلف الابتسام) إن كلمة التحير لا وجود لها وأن الكلمة الصحيحة هي الحيرة، ولأنه كان محقاًفقد أثر كلامه في نفسي بشدة، والآن يقلقني خطا مثل هذا كما فعل حينئذ ولكنني كلما تذكرت تلك اللحظة أحسست بالألم مجدداً.

وفي تلك السنوات المبكرة لم أكن مُدركاً بدرجة كبيرة مدى فرط جهودي التي أبذلها أحياناً لأكون كاملاً، وكلما كنت أرى حجم الجهد الذي أضعه على كاهلي، كنت أحاول تجاهله، ولمدة طويلة جداً كنت أضيع الكثير من الوقت، والجهد في الدفاع عن سمعتي كشخص لطيف ومهني كفء، ومرت سنوات عديدة قبل أن أكتشف مدى التحرر الناتج عن تقبلي لنواحي القصور عندي وعن الأعتراف بحقيقة انني لست كامل، ولن أكون كذلك.

لايوجد أحد كامل، نحن جميعاً نعلم ذلك، ولكننا بوصفنا أناس لطفاء فإن لدينا إحساس متواصل لفعل الأشياء تماماً كما ينبغي في كل مرة من المرات، ونحن أيضاً نتطلب من أشخاص معينين أن يؤدوا وظائفهم بصورة كاملة على الدوام، مثل الطيارين، وجراحي المخ، ومهندسي الجسور، والمحكمين(القضاة)، هؤلاء أيضاً يخطرون على بالنا، وبينما نحب جميعاًأن نكون كاملين في كل شيء، فإن الأشياء التي نبرع في أدائها، أو نهتم بها أكثر هي التي تستحوذ على أفضل محاولاتنا، ونتيجة لذلك ، فإن لحظات نجاحنا في الإنجاز، والأداء لاتجعلنا فقط نشعر بخصوصيتنا، ولكنها تمكننا أيضاً من الوصول إلى بعض من أسمى أهدافنا، إذا فأنت غالباً ماتقدر ما تشعرك به نزعتك إلى الكمال

ولكنك قد عشت بهذه النزعة الكمالية فترة كافية، والضغط الناتج عنها لكي تعلم أنها تثقل كاهلك، وبالمفارقة أنها تضايق غالباً الناس من حولك، وقد لاتتفهم تماماً سبب اتخاذك لهذه النزعة الكمالية، أو لاترى أنها سيئة تماماً، ولكنك على الأرجح تعلم أنك ستستريح إذا توقفت عن ممارستها. 

لكي نتواصل إلى التخلي عن النزعة إلى الكمال، ينبغي علينا أن نعلم أننا اجتماعيون بطبيعتنا، وأن هذه النزعة هي مسألة اجتماعية، ونحن اجتماعيون لأننا نستطيع إظهار جوانب هامة من شخصياتنا فقط من خلال العلاقة بالآخرين، نعم نحن شخصيات فردية، ولكننا لا يمكن أن نكون أصحاء إذا انعزلنا عن الآخرين، والنفس الصحيحة الحقيقية هي النفس المندمجة في الجماعة.

لماذا تُعد النزعة للكمال خطأ؟ 

لا يتوقف الناس اللطفاء عن مناقشة حقيقة أن النزعة إلى الكمال تتصف بالآتي: 

  • إنها محاولة حمقاء، وعقيمة لفعل المستحيل. 
  • ينتج عنها قلق مفرط، وتحول توترنا إلى محنه. 
  • تجعلنا نشعر كأننا سنموت عند ارتكابنا لخطأ ما. 
  •  تجعلنا نضيع الوقت، والجهد الثمينين. 
  • تعوق تقدم علاقات الصداقة الحميمة. 
  • تجعلنا نستاء من أولئك الذين نحاول جاهدين إرضائهم. 
  • قد تؤدي إلى عدد من الأمراض التي تهدد حياتنا. 
  • تؤدي بنا إلى الإفراط الذي لا يشبعنا أبداً. 
  • تجعلنا نشعر بالغباء، ونصبح لوامين لأنفسنا بطريقة مستبدة. 
  • تسمح للآخرين بإدارة شئوننا، وهذا فيه ظلم لهم ولنا. 
وهذه النقطة الأخيرة يجب التأكيد عليها، فإدارة حياتنا ليست من شأن الآخرين، ولكنها ميزة لنا وعبء علينا في آن واحد، وبينما من المناسب أن يضع المجتمع المعايير السلوكية، ويعبر الآخرين عن آرائهم فليس من الملائم لنا أن نسمح لهم بتحديد حياتنا


الحل البديل للإرضاء الدائم للآخرين 

إذا عزمت على التخلي عن محاولة الوصول للكمال، فيجب عليك الآن أن تجد طريقة مختلفة لإدارة حياتك، ومن المهم أن تفهم على الفور أنك لن تستطيع الانتقال بشكل مفاجىء من الإرضاء الدائم للآخرين إلى الإرضاء الدائم لنفسك، وهذا عمل خاطىء واستبدادي أيضاً، فأنت لا تبحث عن فعل كل ما تريد، لأن ما تريده لا يكون دوما في صالحك.

(قد ترغب في أكل قطعة شكولاته اخرى، ولكن مصلحتك في الحفاظ على صحتك ووزنك) إن ما تبحث عنه هو الحرية التي تجعلك لا تريد إلى نزعة الكمال عن طريق تحريرك للتعبير عن أفضل مزاياك، ولخدمة أهم مصالحك، وهذه الحرية ستمكنك من اختيار الوقت الذي تسعى فيه للكمال والوقت الذي لا تفعل فيه ذلك، والوقت الذي تجتهد فيه للامتياز. 


تقبل قبول الآخرين لك 

باديء ذي بدء، أنت تختار النظر إلى الحياة بمنظار الحب، وبعبارة أخرى، أنت تقرر أن ترى القبول من الآخرين (بدلاً من الأحكام التأديببية والرفض) في بداية ومنتصف ونهاية حياتك، هل حدث أن رأيت دموع البهجة في أعين الوالدين يهدهدون وليدهم لأول مرة؟ يبدأ تقبلك بقبول الآخرين لك بإدراك أن الحب الذي يحرك الكون يتملكك بنفس الطريقة ولن يدعك أبداً. 

ولكي تدرك هذه النظرة بشكل أدق فأنت تعتمد على ملاحظاتك الخاصة، ورجاحة عقلك ثم تختار، وبعبارة أخرى فإنك تؤمن بأنك مقبول بالفعل من الآخرين مثلما تقرر أن تتعايش مع حقائق الكون من حولك مثل أن الأرض كروية، وليست مسطحة، حيث أنك في كلا الحالتين تعتمد على دلائل من خلال تجاربك لا يمكن أن تنكرها. 


تسامح في غير موضعه

قد يقدم لك أحدهم الاستحسان بصورة مفرطة تشعر أنك لا تستحقها، ربما تعتدي على شخص فيسامحك، ويقبلك، ويحتضنك، والجمال الأخاذ لهذا التصرف قد يهزك لتقبل هذا التسامح بل وتقبل المعنى الأعمق والأشمل للتسامح الذي جاء هذا التصرف كمجرد تعبير فوري له. 

قبول الآخرين لك 

قد يخبرك الناس الذين تعجب بهم وتهتم لأمرهم بأنهم يقبلونك كما أنت، وقد يقولون أنهم سعداء لوجودك إحباطك الدائم لهم، وقد لا يكون لمثل هذه الكلمات حماس داخلي، ولكنها قد تعمل على تحريرنا مع ذلك. 

إحساس بالاكتئاب

قد ينتهي بك الحال إلى مواجهة القبول المشروط من الآخرين فتكون متعبا من محاول إثبات نفسك لهم بلا أدنى شعور بأنك صالح بما يكفي، وحينئذ قد تشعر باليأس المطبق، وبأنه لا يوجد شيء لديك لتفقده، فتحملق في المجهول وتتسامى على مقاومتك لقبول ذلك، وتقرر أن تتخذ خطوة نحو الإيمان الأعمى كما يسميه الناس. 


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-