أعط الصباح فرصة!
روى أحد الأدباء: أن ثلاثة أشخاص نالت منهم الحياة، وأوجعتهم ضرباتها، التقوا على غير موعد فوق أحد جسور لندن الشهيرة في ليل بهيم، حيث وقف كل واحد منهم فوق الجسر، ينتظر خلو الجسر من المارة، لكي يلقي بنفسه من مياه النهر، ويدفن الآمه ومتاعبه فيها، كما كان يظن.
![]() |
كتاب كبر دماغك |
وراح كل منهم يراقب المارة، لعل الجسر يخلو منهم في لحظة لتنفيذ ما خطط له، وفجأة ينتاب كلاً منهم إحساس غامض بأن الشخصين الآخرين تراودهما الفكرة نفسها، وينتصف الليل والثلاثة ما زالوا في مواقعهم ويضيق الجميع بالانتظار، ويقرر كل منهم أن يطلب من رفيقه الابتعاد، لكيلا يفسدا عليه خطته، ويقترب الثلاثة من بعضهم ويسأل كل منهم الآخر عن الآلام في هذا المكان الموحش في ظلام الليل، ويعترف كل منهم للآخر بعد حوار قصير بالسبب الحقيقي لوجوده، ويرجو صاحبيه في الانصراف في هدوء.
وتكشف تلك الحورات أن الأول شاب عاطل عن العمل طالت فترة بطالته، وتراكمت عليه الديوان، وتأخر في دفع إيجار شقته، وفواتير الغاز والكهرباء، ويئس من تغير الحال، فقرر الانتحار، ونعرف أن الثاني رجل متوسط العمر أصيب بمرض خطير، وصارحه الأطباء بخطورة مرضه لكي يستنفروا إرادته للمقاومة، فلم يقاوم، وقرر ألا ينتظر الأجل المحتوم، وأن يسعى هو إلية باختياره.
ونتبين أن الثالث كهل لايعاني من مشكلة مادية، ولا مشكلة صحية، ولكنه متزوج من زوجة صغيرة السن تخدعه، وتتركة كل ليلة وحيداً، يعاني من وحش الغيرة، ولا يجرؤ أيضاً على طلاقها، وفي الانتحار كتب المنفلوطي: فإذا صح لكل مهموم أن يمقت حياته، ولك لمحزون أن يقتل نفسه خلت الدنيا من أهلها، واستحال المقام فيها، بل استحال الوفود إليها، وتبدلت سنة الله في خلقة (ولن تجد لسنة الله تبديلا)
لاعذر للمنتحر في انتحاره، مهما امتلا قلبه بالهم، ونفسه بالأسى، ومهما ألمت به كوارث الدهر، وأزمت به أزمات العيش، فإن ماقدم عليه أشد مما فر منه، وما خسره أضعاف ماكسبه، ولو كان ذا عقل لعلم أن سكرات الموت تجمعُ في لحظة جميع ماتفرق من الآم الحياة وشدائدها في الأعوام الطوال، ويتبادل الثلاثة الحديث عن همومهم، وقد جمعت بينهم الآلام، وأحس كل منهم بتعاطف غريب مع صاحبيه، ويكتشف كل منهم أن لديه القدرة على أن يناقش مشاكل الآخرين بمنطق جديد، ولم يكن يفكر به في مشكلته هو.
فيقول الشاب العاطل للرجل المريض: ولماذا تحاول أن تتمرد على أقدارك، وتضع بيديك نهاية لحياتك؟ ولماذا لاتعطي الطب فرصته الكاملة لعلاجك، وكل يوم يظهر جديد في الطب، ويقول الرجل المريض للكهل المخدوع: ولماذا تعاقبُ أنت نفسك على جريمة ترتكبها زوجتك؟ إنك تبدو رجلاً متزناً ولطيفاً، فلماذا لا تنفصل عن هذه الزوجة التي لا تستحقك؟ وتنظر إلى الأمام بتفاؤل، إلى أن تلتقي بسيدة متوسطة العمر تحبك وتسعد بك.
ويقول الكهل المخدوع للشاب العاطل: وكيف يسلم شاب مثلك باليأس من الحياة بهذه السهولة مهما كانت الآلام والمتاعب؟ لاشك أن هناك جهة ما تحتاج الآن إلى عملك، لكنك لم تهتد إليها بعد، وتستطيع بكل تأكيد أن ترجو صاحب البيت أن ينتظر شهراً آخر، إلى أن تتحسن أحوالك، ويتفق الثلاثة على أن يؤجلوا قرارهم بالانتحار لمدة يوم آخر.
على أن يلتقوا في الموعد نفسه في مساء اليوم التالي في المكان نفسه، فإذا لم يكن تغير أي شيء في نفوسهم أو ظروفهم ، نفذوا معاً قرارهم السابق بالانتحار، وينصرف الثلاثة على وعد باللقاء، وأخيراً، ولو تعاظم همك، وطال ليلك، فلا يكسف بالك، ولايشرد فكرك، ولا تستسلم للوجد، ولا يخنك الصبر، بل اثبت، وكن رابط الجأش، صلب العود، وثق أن الغد لابد أن يكون مختلفاً.
كبر دماغك
في لقاء تلفزيوني مع أحد المفكرين الكبار، وكان ذا صوت جهوري وبسطة في الجسم ودقة في الفهم، سأله المحاور عن سر نجاحه في علاقاته عموماً، والأسرية خصوصاً؟ فأجاب" في الحياة كلها، إن أردت أن تسعد وتنجو من الأمراض والأوجاع والسهر الطويل وأن تكسب في كل علاقاتك ومن ضمنها علاقتك مع شريكك، فقط: كبر دماغك! وما زاد عليها بشيء!
وبصراحة ، اختصر هذا الحكيم كل الوصفات، واختزل كل الوسائل، وكأن الله أتاه جوامع الكلم في هذا الموقف! ولن أنسى ذات يوم كنت أسير في شارع ضيق، تقابلت سيارتان وجهاً لوجه، وكان لزاماً أن يعود أحدهما للخلف! تلاسنا في البداية، فكل منهما يرى أن الحق له، وأن الآخر هو الذي لابد أن يعود للخلف!
حاولت التقريب في وجهة النظر وتلمس الأعقل، وللأسف ما وجدت فيهما عاقلاً! فما كان مني إلا أوقفت سيارتي في موقف قريب، وذهبت ماشياً حتى يعود أحدهما لرشده وبعد ساعتين عُدت فماذا رأيت؟ حدث مالم يخطر في بال، ولايجر في حسبان! كان كلا الشخصين جالسا فوق سيارته! مشهد يمثل كوميديا سوداء!
- (كبر دماغك) إن أردت أن تعيش بروح هانئة، ونفس مطمئنة، وقلب مرتاح.
- (كبر دماغك) إن أردت أن تسير الأمور ولا تتوقف، إن أردت ألا تشتت أسرتك وألا تفقد ممتلكاتك الأسرية وما بنيته!
- (كبر دماغك) إن أردت أن يحترمك الناس ويقدرك من حولك.
- (كبر دماغك) إن أردت أن تحظى بالمناصب، وأن تفوز بالفرص!
- (كبر دماغك) تعني..أن تتعامل أحياناً مع شريك حياتك أحياناً كطفل لا يعي كثيراً، لذا فأنت تفتعل انسحاباً تكتيكياً لاحتوائه!
- (كبر دماغك) بعدم إعطاء الأمور التافهة، والأشخاص التافهين قدراً من تفكيرك أو وقتك.
- (كبر دماغك) بالمرونة الفكرية، وعدم العناد والإصرار على الرأي.
- (كبر دماغك) بأن تتنازل عن موقفك لمصلحة أكبر.
- (كبر دماغك) تعني..أن تتعامل مع الآخرين بسعة بال، ورحابة صدر، وأنس.
- (كبر دماغك) بالتغافل وعدم التوقف عند كل محطة.
- (كبر دماغك) ولا تُطارد كل صغير يُلقي عليك بحجر أو يرمي عليك كلمة.
- (كبر دماغك) بعدم التواجد في ساحات النزاع والخلاف والأمور التافهة.
- (كبر دماغك) بالتغافل والتعامي المحمود وكأنك لم تر ولم تسمع.
خمسة قرارات ستندم عليها
- اللهث خلف إرضاء البشر لاتهدر الوقت، ولا تنفق المال، ولاتعبث بالمبادئ، كي ترضيهم، واحذر تسول حبهم أو إعجابهم أو أن تتوقف حياتك على محاولات كسب رضاهم.
- مُرافقة السلبيين، قالوا قديماً: جاور السعيد تسعد، وأقول: جاور الإيجابي تكن مثلة، تخلص من الرفقة السلبية الذين يستهينون بقدراتك.
- الاستسلام مبكراً، في لحظة قد تكتشف أنه لم يتبق على نقطة النهاية إلا خطوة واحدة، ولكن-للأسف- تكون قد استسلمت وتوقفت عن المحاولة والاجتهاد، فضاع كل جهدك.
- الركض الدائم في الحياة، الحياة مثل الشعرة، تشدها بلين حتى تبقيها مشدودة، من دون أن تقطعها أو ترخيها، في بعض الأحيان، سيكون عليك الاسترخاء وترك الحياة تأخذ مجراها.
- الأمل الكاذب، العالم ليس مديناً لك بأي شيء ليقدمه لك، بل أنت المدين لهذا العالم بأن تقدم له شيئاً ما، توقف عن أحلام اليقظة، وترجمها إلى أفعال وخطوات فعلية.