كتاب أريد أن أعيش| في داخل كل منا عالم سحري زاخر بالكنوز والأسرار (مهدي الموسوي)

الفقير ونور القمر 

كان هناك رجل فقير يعيش وحيداً في غرفة على سطح عمارة متهرئة، وكان مكتفياً بأمتعته البسيطة، قانعاً بقلبه المنير بالرضى بما لديه، وكان الحفاظ على صفاء قلبه أهم شيء في حياته، فيبدأ صباحه بتفقد قلبه والاطمئنان بمدى رضاه وقناعته بما عنده من نعم، ومهما كانت تلك النعم بسيطة في نظر الآخرين ولكنها كنوز عظيمة بالنسبة له، كان يأخذ في كل صباح باكر نفساً عميقاً من عبق المحبة.

أريد أن أعيش



 وقبل أن يبدأ عمله نظيف القلب قبل الجسد، وكان عندما يعمل كأنما يعزف على أوتار روحه، وكان كلما رأى نفسه تشطح بالافكار السوداء، يعيد دوزنتها باليقظة والانتباه حتى تعود إلى رشدها، وفي يوم من الأيام طرده صاحب العمارة، فجمع أمتعته عازماً على مغادرة المكان ثم غط في نوم عميق، وفي الصباح سطا عليه لص وسرق أمتعته، فأصبح لا يملك من حطام الدنيا إلا نفسه، فنظر إلى القمر وابتسم وهو يقول: ليتني استطعت أن أمنح السارق بعضاً من نورك لبضيء قلبه فيمتنع عن سرقة الآخرين.

النفس المطمئنة

كان يتحسس ليس جسده، بل نفسه من الداخل، هل لازالت متماسكة، أم إنها فقدت السيطرة على زمام الأمور؟ هل ما زالت ساكنة مطمئنة واعية يقظة تعرف ماتريد وتعرف خط المسير؟ أم إنها أوشكت على الاستسلام للأحداث والقدر وأصبحت في مهب الريح تدفعها أهواء الناس ورغباتهم كما يشاؤون؟ إنه لا يريد ان يفقد قياد نفسه في أي لحظة، إن تماسكه هو صمام الأمان لإكمال الطريق حتى الوصول إلى النهاية.

فهو لايريد أن يرتبك ويهتز ويفقد البصيرة إذ هو يعلم أن أهم أسلحته على الإطلاق للنجاة بحياته هي نفسه وقوته الذاتية، وأنه سوف لن يسقط أبداً في الوحل ولن تغرقه الأحداث مهما عظمت، مادام محافظاً على يقظته والنظر إلى الصورة الكلية للحياة وليس لأجزائها المتناثرة، فيعرف الأولويات والأساسيات ومايجب غض الطرف عنه وما يجب التركيز عليه من الأشياء، لايريد أن يمر عليه يوم من الأيام وهو ينظر إلى صورته في المرآه ويقول معاتباً لها بمرارة:آه لقد فني عمري في هباء وضاعت حياتي سدى.

النظر بقلوب راضيه

كان هناك قزم يعيش في كوخ صغير على سفح جبل أجرد من أي شجر خالياً من كل مرج أخضر، وكان دأب ذلك القزم التذمر من ذلك الجبل القاسي البشع المنظر، وفي إحدى الليالي رأى القزم في المنام بأن جنياً أعطاه نظارة ما أن يلبسها حتى يرى ذلك الجبل مرجاً أخضر تملأ منحدراته الورود والأشجار، وفي الليلة التالية حضر الجني نفسه في المنام وأعطاه نظارة أخرى متأملاً أن ينعم بجمال ما رآه في الليله السابقة. 

وما إن لبس النظارة في هذه المرة حتى رأى الحرائق تملأ الجبل وألسنة اللهب تتصاعد في كل مكان، ففزع من نومه مرعوباً وهو يتساءل عن مغزى تلك الأحلام، وفي صبيحة يوم العيد وبينما كان يتجول في سوق القرية القريبة من الجبل رأى درويشاً حكيماً يخاطب الناس قائلاً: أيها الناس عيشوا بقلوب راضية فإن عيونكم تبصر الحياة حسب ما يجول في قلوبكم من رضى وامتنان، ولم يفهم أكثر الناس ماقاله الدرويش، بمن فيهم ذلك القزم الذي لازال يتذمر كل يوم من العيش في كوخ صغير على جبل أجرد من كل مرج أخضر.

التفاؤل كما أفهمه

هو أن يزرع الإنسان بذور الأمل في قلبه ليحصد الخير في حياته، فالتفاؤل يمهد الطريق لظهور الخير، وهو أن نعيش الطمأنينة في البدايات لنحصد أطيب الثمار في النهايات، هو ذلك الذي يقترن بالحركة والنشاط والرغبة في الحياة، والعمل لإسعاد البشر ممن لا حول لهم ولا قوة، وهو تفاؤل الأقوياء الذين إذا انهزموا أمام معارك الحياة لم ينهزموا أمام أنفسهم. 

أولئك الذين تدفعهم قوة داخلية للحركة ليصنعوا أحداث حياتهم، فالإنسان المتفائل مثل الزنبقة التي تعيش في بذرة مخفية في ظلمات الوحل، وتكافح بإصرار من أجل الظهور ولا تستسلم لقدرها حتى تنبثق من بين المياه الأسنه لتضيء الوحل بجمالها، لا أدعي أني متفائل دوماً، أتحدى خيباتي وهزائمي وأعيش كمتفائل. 

المجد عندما تعيش اللحظة

  • كان معلمي عندما ينهض واقفاً، فإنه يعتمد على قوته في النهوض فلا يتكئ على شيء. 
  • وكان يفعل ذلك كي لا يعتاد على الاعتماد على غيره في إنجاز مهامه، كان يتعايش مع حياته، فلم أره يوماً في نشاط محموم لتغيير أقداره المحتومة. 
  • أو يسعى للتحكم بمصائر الناس أو توجيه سير الأحداث بالعنف. 
  • كان لا يحكم على شيء ولا يدين أي أحد، كان تركيزه يدور حول الانتباه لذاته. 
  • كان يدخل عميقاً في داخل زمنه هو ويغوص متفاعلاً مع لحظته كما هي. 
  • كان حاضراً يعيش تماماً في وقته ذاته، كان يمارس التيقظ والانتباه لحظة بلحظة. 
  • كان يبذل جهداً هائلاً ليعيش زمنه ويسير على أرضه ويمشي على قدميه. 
  • يتنفس الهواء المقدر له أن يتنفسه، ويزيل الأشواك التي تصيبه بنفسه. 
  • وكان عندما يفعل ذلك، تصبح اللحظة القادمة مع النفس التالي هي محور اهتمامه وجوهرته الثمينة.
  • لم أجده ساعياً للوصول إلى المجد، فالمجد موجود في كل لحظة ينجح في أن يعيشها حتى الثمالة. 

حقيقة السعادة

إذا أردت أن أطلب من الله شيئاً، سأطلب منه أن يكون إحساسي بالرضا ينبع من داخلي وليس من المخلوقات، وأن أكون راضياً بكل حالاتي وقابلاً بكل صفاتي، وأن يحبب إلى قلبي الحياة البسيطة، وأن يمنحني القدرة على حل الأمور المعقدة، وفك الخيوط المتداخلة في حياتي، وأن يمنحني عقلاً هادئاً ونفساً ساكنة لا تضطرب عند الهزاهز. 

إذا أردت أن أطلب من الله شيئاً، سأطلب منه أن يمنحني قوة داخلية تجعلني مكتفياً بقدراتي، وأن أكون محصناً من الداخل ضد أية تاثيرات خارجية، وأن أكتفي بالقليل لتغطية حاجاتي، فإن لم يكفني القليل، فلن تكفيني الدنيا بأسرها! إذا أردت أن أطلب من الله شيئاً، سأطلب منه أن يجعلني أجد السعادة في أبسط المسرات، وأرى الجمال في كل الأشياء، متكفياً مع متغيرات الحياة، مستقلاً بنفسي، حراً من التعلق بكل ما يفنى ويزول!

عندما تقودك روحك

عندما تقودك روحك، لن تغدو حائراً تبحث عن شيء لا تعرف ما هو، لأن الأشياء المفيدة هي من تجري خلفك وتبحث عنك، عندما تقودك روحك، لن تحكم على أي بشر أو حدث بعد اليوم، لن تفرح لأي شيء وكأنك ملكت الكون، ولن تحزن لأي شيء وكأنك خسرت الدنيا. 
عندما تقودك روحك، لا ينتابك التوتر إذا جرت الأمور خلاف ماتريد، ولن تقلق لما سيحصل لك في الغد، لاتخاف أبداً سوى من الخوف، عندما تقودك روحك، تتساوى عندك كل الأشياء، ويملأ قلبك الحب، فتبتسم.. تبتسم فقط. 

اتفاقية سلام مع النفس

إني أعقد اتفاقية سلام مع يومي الجديد عندما أستيقظ في الصباح الباكر، وإذا نسيت ذلك فقد تنتظرني معركة ما مساء ذلك اليوم، إما مع نفسي او مع الآخرين، فكلما كبر الإنسان في العمر تتفاقم عليه مشاعر الغضب والخوف والوحدة، الغضب من إخفاقاته في تحقيق أحلامه ومن خيبات أمله من بعض الناس، والخوف من المجهول الذي ينتظرة. 

والهلع من أن يبقى وحيداً لا يهتم به أحد‘ فإني كل يوم ومنذ الصباح الباكر، أتعهد لنفسي بأن أهتم بها وأراعي ضعفها وهشاشتها ووسعها المحدد، فلا أضغط عليها لتفعل ما لا طاقة لها به خشية أن تفقد رشدها وصوابها، فمعظم الأمراض تأتي من تعرض النفس للتوتر والضغوط، كل يوم ومنذ الصباح الباكر افترض أني رجل سعيد، ثم أبحث طوال اليوم عن أسباب سعادتي. 


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-